Secular Way
تاريخ

موقف الأديان من المثلية الجنسية

على مر العصور كانت الأديان والتوجهات الجنسية في صراع مستمر، وغالباً ما كانت تتم إدانة المثلية الجنسية في جميع الأديان. العلاقة بين الأديان والمثلية الجنسية معقدة وتتغير بشكل كبير مع مرور الزمان ومع تغير أشكال التعبير الجنسي حول العالم، ولدى كل دين وجهات نظر مختلفة حول الحياة الجنسية، حيث تشكل وجهات النظر هذه الكيفية التي ندرك بها الحياة الجنسية.

لدى جميع الأديان ثلاثة مواقف أساسية حول المثلية الجنسية

  1. موقف الرفض التام.
  2. موقف المحايدة.
  3. موقف القبول التام.

أولاً: موقف الرفض

في السياق المسيحي الأصولي، يرجع مبدأ الرفض الديني للمثلية الجنسية إلى الاعتقاد في مبادئ الشريعة اليهودية وأيضاً الشريعة المسيحية، حيث يشتمل الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) على تفسيراً جوهرياً حول النشاط الجنسي المباح والغير مباح. وفي بعض الدول ذات الغالبية المسلمة، يُعاقب المثلييين بأحكام مثل القتل أو السجن أو التعذيب. حيث تجرم المثلية الجنسية ويعاقب عليها بالقانون في دول مثل السعودية وقطر والإمارات واليمن وإيران وموريتانيا ونيجيريا وأفغانستان والصومال والسودان. ينظر مؤيدي رفض المثلية الجنسية إلى التوجه الجنسي بكونه خياراً وذو اتجاه واحد، بينما يعتقد البعض أن المثلية الجنسية مرض يمكن علاجه، ويعتقدون أن الله لا يغفر للمثليين إلا بعد التوبة عن خطيئة ميولهم الجنسية.

ثانياً: موقف المحايدة

هذا الموقف من المثلية الجنسية يرى أنه يجب أن يعامل المثليون بقدر متساو من الاحترام، ومع ذلك لا يقبلون هذه التوجهات الجنسية. ويعتقد هذا الموقف الذي يعد منظوراً معدلاً من موقف الرفض التام، أنه لا يمكن تغيير الميول الجنسية المثلية، ولكن يمكن تغييرها بشكل إرادي.

ثالثاً: موقف القبول التام

يؤكد منهج القبول التام للمثلية الجنسية على أن الأشخاص المثليين يجب أن يحصلوا على نفس الحقوق المدنية والاجتماعية التي يحصل عليها المغايرين جنسياً. تؤكد هذه الإيديولوجية على أن المثلية الجنسية ليست خطيئة، وأن الله يقبل المثليين والمغايريين جنسياً. لقد تم إنشاء الكثير من الكنائس على أساس مبدء القبول التام للمثليين جنسياً، ويقول القس “تروي بيري Troy Perry” الذي أسس الزمالة العالمية لكنائس ميتروبوليتان المجتمعية في عام 1968 كجزء من نشاطاته، في كتابه: “الرب هو راعيى، ويعرف أنني مثلي الجنس”. تُعرف كنيسة مجتمع ميتروبوليتان نفسها بأنها حركة عالمية لأشخاص متنوعين روحياً وجنسياً، وشعارهم “الله يقبل بالتنوع الجنسي.”. ومنذ تأسيسها، حاولت كنيسة ميتروبوليتان نشر موقف القبول التام في مجتمع أكبر، وتطبيقه ليس فقط على مستوى تنوع الميول الجنسية، بل على مستوى التنوع العرقي والاجتماعي أيضاً. وقد بيّن ظهور هذه الكنيسة كيف يمكن خلق مفهوم الروحانية الشاملة، حيث يستطيع الناس تخطي الحدود بين الإيمان والمثلية، والحدود بين الإيمان والنشاط الجنسي بشكل عام.

التمييز ضد المثليين

لعدة قرون، حاولت التشريعات القانونية والدينية تقييد النشاطات الجنسية مثل المثلية، في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تم وضع قوانين ضد المثلية الجنسية في معظم الولايات حتى القرن العشرين، وغالباً ما تنبع هذه القوانين المتشددة من ممارسات دينية صارمة. هذه التشريعات خلقت تسلسلاً هرمياً ميّز بين الميول الجنسية المغايرة والمثلية الجنسية على أنهما جنسين مختلفين أحدهما طبيعي والآخر غير طبيعي.

تستند مفاهيم “الحياة الجنسية الطبيعية” هذه إلى مخطوطات مكتوبة منذ آلاف السنين حينما كانت البشرية تفتقد الفهم الكامل للطيف الواسع الذي يميز النشاط الجنسي. مع تقدم عالمنا ثقافياً وعلمياً، بدأ عدد أكبر من الناس بقبول جميع أشكال الميول الجنسية والهوية الجنسية باعتبارها علاقات طبيعية وصحية، وأنه ينبغي معاملة المثليين بالمساواة وبموجب القانون. لسوء الحظ، لازال العديد من الناس والحكومات لا يقبلون التنوع الجنسي، مما يؤدي إلى استمرار التمييز ضد مثليي الجنس.

وفي حين أن البعض يعتقد أنه يمكن علاج المثليين من خلال الطب و الصلاة والتوبة، أكدت الجمعية الأمريكية لعلم النفس في عام 2009 على أنه لا يوجد دليل على نجاح أي علاج للمثليين جنسياً، وأن هذا العلاج المزعوم مضراً، ويؤدي إلى أعراض الاكتئاب وأفكار الانتحار.

قد يشعر المثليون الجنسيون بالقلق من حقيقة أن حياتهم الجنسية لا تتماشى مع المجتمع وهذه الولايات الروحية. فيشعرون بالتشتت بين الأخلاق التي نشأو عليها وهويتهم الجنسية، وعندما تعتمد أخلاق الشخص على إيمانه، فقد يتعارض هذا مع هويته كفرد مثلي. يمكن أن تكون محاولات تخفيف التوترات بين الدين والتوجه الجنسي أمراً صعباً، ولكن من الممكن تحقيق القبول والتعايش بين الهويات المثلية والدينية.

لقد أظهرت الأديان المختلفة مجموعة واسعة من وجهات النظر حول الحياة الجنسية والمثلية الجنسية. هنا نستكشف موقف بعض الديانات الأكثر شهرة في جميع أنحاء العالم.

موقف اليهودية من المثلية الجنسية

تظهر وجهات النظر اليهودية في المثلية الجنسية بشكل أساسي من خلال العهد القديم في الكتاب المقدس. حيث تصور الحياة الجنسية على أنها: “هدية تستخدم بمسؤولية وفقاً لإرادة الله”.

تشمل المواضيع المنتشرة في اليهودية العلاقة الجنسية والإنجابية بين الذكر والأنثى، وتعدد الزوجات. وبالنظر إلى أن الكنعانيين، وهم طائفة مبكرة عن اليهودية كانت في صراع مع بني إسرائيل، مارسو علناً طقوس التزاوج والعلاقات الجنسية في معابدهم، بدأ التشريع اليهودي في تنظيم أي سلوك جنسي غريب مثل المثلية الجنسية، فكان ينظر إلى التباين الجنسي باعتباره تهديداً للتناغم الجماعي. وحتى الآن لا يزال الأفراد المثليين يعانون من عدم القبول الكامل في الدين اليهودي.

موقف المسيحية من المثلية الجنسية

المسيحية واحدة من الديانات التي كانت لها وجهات نظر صريحة حول المثلية الجنسية. وإضافة إلى العلاقة المتصلة بين الشريعة اليهودية والمسيحية، توضح رسالة كورنثوس من العهد الجديد في الكتاب المقدس بإيجاز كيف ترى بعض الطوائف المسيحية رؤية النشاط الجنسي:

“بسبب الإغواء على الفجور الجنسي، يجب أن يكون لكل رجل زوجته الخاصة وكل امرأة زوجها”.

كورنثوس (7) : 2)

أدى هذا الخطاب المسيحي المحافظ إلى فرض القيود والوصمات التي تدور حول الحياة الجنسية في العديد من المجتمعات الغربية اليوم. فقد وصفت المسيحية الذين لا يلتزمون بهذه الوصايا بالخطاة، ويتم استبعاد مثليي الجنس من سر الزواج الكنسي. على الرغم من هذا، تشتمل المسيحية على مجموعة مختلفة من وجهات النظر. على سبيل المثال، عبّر البابا فرانسيس (أعلى سلطة في الإيمان الكاثوليكي)، عن أراء تختلف عن أسلافه، حيث صرح علناً، بأنه لا يحكم على المثليين جنسياً. وأن المثليين أبناء الرب ولهم الحق في تكوين أسرة والزواج الكنسي.

موقف الإسلام من المثلية الجنسية

هناك قدر كبير من الاختلاف في العقيدة الإسلامية فيما يتعلق بالمثلية الجنسية، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أن المسلمين ليس لديهم مصدراً مركزياً موحداً للسلطة الدينية، مثل البابا، على سبيل المثال، واختلاف العقائد والمذاهب الإسلامية. بشكل عام يسمح الإسلام بمجموعة متنوعة من العلاقات الجنسية باستثناء المثلية الجنسية، حيث يعتقد المسلمون أن النشاط الجنسي وسيله للمتعة والتكاثر. ويُعتبر الزواج في الإسلام أسمى هدف يمكن أن يحققه الإنسان.

يسمح الإسلام بتعدد الزوجات، وفي بعض الطوائف يسمح بممارسة الجنس مع إمرأة لها مكانة أقل من الزوجة (زواج المتعة، وزواج المسيار). ولا ينصح الإسلام بالعزوبة، ويحرم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج. وبالنسبة للمثلية الجنسية يرفض الإسلام المثلية الجنسية، ويشير النص الديني المركزي للإسلام (القرآن)، إلى المثلية الجنسية في بعض الآيات التي تحرم المثلية، وفي قصة “شعب لوط”. الذي انخرط في سلوكيات جنسية ومثلية، وتم معاقبتهم بكارثة طبيعية دمرت شعب لوط بأكمله، وهي أيضاً قصة توراتية. وكان النبي محمد معروفاً برفضه للمثلية الجنسية.

موقف الهندوسية من المثلية الجنسية

الديانة الهندوسية لا تتعامل مع المثلية الجنسية كخطيئة، وتؤمن أن لكل إنسان جاذبيته الجنسية والفردية الخاصة به. وفي المجتمع الهندوسي لا يتم التمييز على أساس العلاقة من نفس الجنس، وتعتبر المثلية الجنسية واحدة من العديد من التعبيرات المحتملة للرغبة الإنسانية. وقد شمل هذا الموقف من النشاط الجنسي الكثير من الذين يؤمنون بالآلهة الهندوسية، لكنهم لم يشعروا أن دينهم يشمل توجهاتهم الجنسية بشكل كاف.

ويعد المفهوم الهندوسي (كاما سوترا Kama Sutra) الذي يعني السعي وراء المتعة، واحداً من الموضوعات الأساسية في الهندوسية، وهي قطعة من النصوص الهندوسية حول تحقيق المتعة الجنسية، يوضح مفهوم كاما سوترا طبيعة الجنس الإيجابية في الدين. كما تعرض العديد من المعابد الهندوسية منحوتات لكل من الرجال والنساء الذين يمارسون الجنس المثلي. وتؤمن الفلسفة الهندوسية بوجود الجنس الثالث، وهو شخص يجسد مزيجاً من الذكورة والأنوثة، ويتم منح هذا النوع الثالث من الجنس حالة شبه إلهية، ويرمز إلى التسامح في الهندوسية.

موقف البوذية من المثلية الجنسية

هناك القليل من النقاش حول مسألة الجنس في تعاليم بوذا، حيث تركز معظم النصوص البوذية على الاستنارة. ويعتقد مذهب ماهيانا البوذي أن هناك عدة طرق للاستنارة، ويشكل التعبير الجنسي أحد هذه الطرق. وتقول أحد الفروع الرئيسية الثلاثة للإيمان البوذي، أن “الاتحاد الجنسي يجسد الوحدة الأساسية لكل شيء من خلال الاندماج مع الطاقة”. في البوذية لا يحدد جنس كل شخص، وبالتالي لا يتم إدانة المثلية الجنسية، ولكن تحرم البوذية سوء السلوك الجنسي.

المثلية الجنسية في اليونانية

في الفلسفة اليونانية الكلاسيكية، لا يعتبر الجنس شراً بطبيعته. وكان الجنس نشاطاً يحتفل به بين الآلهة اليونانية في النصوص القديمة. وفي الثقافة اليونانية القديمة كان هناك احتفالاً يسمى (احتفال المشاة) وهو عبارة عن علاقة جنسية بين ذكر أكبر سناً وذكر أصغر سناً، وكان ينظر إليه باعتباره طقس من طقوس العبور إلى الحياة العسكرية. واعتبر كل من الفيلسوف اليوناني أرسطو و بيندار، أن احتفال المشاة وسيلة من وسائل الإرشاد للفتيان الصغار ليصبحوا رجالاً. وتحكي أسطورة من الفلسفة اليونانية الكلاسيكية قصة (زيوس وجانيميد)، حيث قام زيوس باختطاف جانيميد (بطل من تروي) وانخرط في علاقات جنسية معه. وقد تم توثيق السلوكيات الجنسية المثلية في وقت مبكر من القرن الخامس والرابع ق.م، مما يشير إلى مدى طبيعة وقبول هذه السلوكيات في المجتمع اليوناني القديم.

تنامي قبول المثلية الجنسية في الأديان

تشير الاتجاهات الحالية في المجتمعات المسيحية إلى أن المثليين جنسياً يصبحون أكثر قبولاً وإندماجاً في المجتمع، كنتيجة لتطور العلم السلوكي والاجتماعي في إعادة تحديد ما هو طبيعي وغير طبيعي.

وفي العصر الحالي، شهدت الكنيسة الكاثوليكية بفضل البابا فرانسيس بعض التغييرات التي أدت إلى زيادة الميل إلى قبول المثلية الجنسية. في سبتمبر من عام 2013، صرح البابا فرانسيس: “إذا كان شخص ما مثلياً ويبحث عن الرب ولديه نوايا حسنة، فمن أنا لكي أحكم عليه؟”. يتعارض هذا البيان بشكل صريح مع مواقف الكنيسة السابقة تجاه المثلية الجنسية، ففي العام السابق لموقف البابا فرانسيس، أعلن البابا بنديكت السادس عشر علناً أن “زواج المثليين يمثل تهديداً للسلام العالمي”. يعتبر موقف البابا فرانسيس أكبر خطوة نحو القبول التام للمثلية الجنسية من ناحية الكنيسة الكاثوليكية. كما سمحت الكنيسة الأسقفية لرجل الدين في الكنيسة بأداء احتفالات زواج من نفس الجنس بعد تعديل تعريف الكنيسة للزواج من خلال تغيير نص “الرجل والمرأة” إلى “الزوجين”، وصوتت الكنيسة المشيخية على الموافقة رسمياً على الزواج من نفس الجنس في عام 2015.

مثلما يوجد عدد كبير من الديانات والطوائف العقائدية المتنوعة، هناك أيضاً وجهات نظر دينية مختلفة حول المثلية الجنسية في كل دين. وأصبحت العديد من الدول والمؤسسات الدينية تعيد النظر وتعدل موقفها من المثلية الجنسية، لتكون أكثر شمولاً وقدرة على التكيف مع الحياة الجنسية الحديثة بكل تعبيراتها. قد يتطلب دمج هوية المثليين مع الهويات الأخرى مثل الدين والعرق بعض الوقت، لكن تشير الاتجاهات الحديثة أنه يمكن تحقيق ذلك بقدر كبير، وخاصة مع استمرار تطور العلاقة بين النشاط الجنسي والدين، حيث لا يضطر الإنسان إلى الاختيار بين إيمانه وبين توجهاته الجنسية، فالدين والحياة الجنسية وجهان مهمان لهوية الفرد، والمثلية الجنسية هوية جنسية طبيعية وصحية تماماً وشكل من أشكال التعبير.

شاهد أيضاً

السيرة الذاتية للرسام فان جوخ

moabusharaf

المُخطط الزمني للمسيحية في العصور الوسطى

moabusharaf

السيرة الذاتية لجلال الدين الرومي

moabusharaf

اكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط Cookies لتحسين تجربة الاستخدام. قبول سياسة الاستخدام والخصوصية