Secular Way
تاريخ

المخطط الزمني لأوروبا في عصر النهضة

عصر النهضة هو حركة ثقافية وعلمية واجتماعية وسياسية ركّزت على إعادة اكتشاف وتطبيق النصوص والأفكار من العصور القديمة الكلاسيكية. شهد هذا العصر انتعاشًا ثقافيًا وفنيًا وسياسيًا واقتصاديًا في أوروبا عقب العصور الوسطى. وقد جلب معه هذا العصر اكتشافات في العلوم المختلفة، وأشكالًا فنية جديدة في الكتابة والرسم والنحت، بفضل بعضٌ من أعظم المفكرين والمؤلفين ورجال الدولة والعلماء والفنانين في تاريخ البشرية، بالإضافة إلى اكتشافات جديدة لأراضٍ بعيدة. وكان الدافع وراء تلك الحركة النهضوية في المقام الأول هو النزعة الإنسانية، وهي فلسفة تؤكد على قدرة البشر على الفعل، بدلًا من الاعتماد على إرادة الله. وقد شهدت المجتمعات الدينية الراسخة قبل تلك الفترة معارك فلسفية ودموية، أدت في نهاية المطاف إلى الإصلاح الديني الشامل ونهاية حكم الكنيسة في أوروبا.

نتتبع في هذه المقالة المخطط الزمني لأوروبا في عصر النهضة، من الناحية التاريخية والسياسية والدينية والثقافية التي وقعت خلال الفترة التقليدية الممتدة من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر.

ما قبل عام 1400: العصور الوسطى، والموت الأسود وصعود فلورنسا

العصور الوسطى Middle Ages أو القرون الوسطى المظلمة Dark Medieval، هي حقبة تاريخية في تاريخ قارة أوروبا، تمتد لعشرة قرون _ من القرن الخامس 476 إلى القرن الخامس عشر 1492 ميلادياً. بدأت العصور الوسطى مع سقوط الإمبراطورية الرومانية، وامتدت حتى (عصر النهضة)، والذي تميز بتطورات نوعية في الثقافة الأوروبية، والاكتشافات الجغرافية، والثورة العلمية والصناعية، وعودة النزعه الإنسانية، ونشوء حركة الإصلاح الديني، مما آذن بطي الصفحة الأخيرة في أطوار العصور الوسطى المُظلمة.

من خلال الدراسات التاريخية ودراسة السمات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية على مدار عشرة قرون، ظهر مصطلح العصور الوسطى المظلمة، حيث تدنى مستوى التعليم والثقافة، وتدهور الوضع الاقتصادي، وتفشى مرض الطاعون والمجاعة الكبرى، واشتعال جذوة الحروب والصراعات، وسطوة الكنيسة، وخلط الخرافات والدجل بالدين. في المقابل، كانت الحياة أكثر إشراقاً على أصعدة أخرى من العالم، فقد كان المسلمون في الأندلس يتمتعون بثراء حضاري وثقافي، وارتقو في المجالات العلمية كالطب والهندسة والبصريات والرياضيات والفلك إلخ…. وفيما بعد انتقلت هذه العلوم والمعارف عن طريق أسبانيا إلى أوروبا. كما حافظت الإمبراطورية البيزنطية على ملامح كثيرة من حياة الإغريق والرومان الثرية.

الخط الزمني للعصور الوسطى
الخط الزمني للعصور الوسطى

في عام 1347، بدأ الطاعون الأسود يدمر أوروبا. ومن المفارقات أن تفشي وباء الطاعون، وما أدى إليه من مقتل ملايين السكان في أوروبا، فقد أدى أيضًا إلى تحسن الاقتصاد بشكل ما، والميل إلى الانخراط في الدراسات العلمية الدنيوية. توفي فرانشيسكو بترارك، الشاعر والإنساني الإيطالي الملقب بأبي عصر النهضة، في عام 1374. وبحلول نهاية القرن، أصبحت فلورنسا مركزًا لعصر النهضة.

الطاعون في العصور الوسطى
الطاعون في العصور الوسطى

1400 إلى 1450: صعود روما

في بداية القرن الخامس عشر (تقريبًا عام 1403) ألقى ليوناردو بروني مديحه لمدينة فلورنسا، واصفًا إياها بأنها مدينة سادت فيها حرية التعبير والحكم الذاتي والمساواة. وخلال عشرينيات القرن الخامس عشر، توحدت بابوية الكنيسة الكاثوليكية وعادت إلى روما لبدء الإنفاق الضخم على الفن والعمارة هناك. وفي عام 1440، استخدم لورينزو فالا النقد النصي لفضح تبرع قسطنطين، وهي وثيقة منحت مساحات شاسعة من الأراضي للكنيسة الكاثوليكية في روما، باعتبارها مزورة، وهي إحدى اللحظات الكلاسيكية في التاريخ الفكري الأوروبي. تشمل الأعمال المنتجة خلال هذه الفترة لوحة “عبادة الحمل” لـ جان فان آيك (1432)، ومقالة ليون باتيستا ألبيرتي عن بعنوان “حول الرسم” (1435)، ومقالته “حول الأسرة” في عام 1444، والتي قدمت نموذجًا لما ينبغي أن تكون عليه الزيجات في عصر النهضة.

لوحة "عبادة الحمل" لـ جان فان آيك (1432)
لوحة “عبادة الحمل” لـ جان فان آيك (1432)

1451 إلى 1475: ليوناردو دافنشي وإنجيل غوتنبرغ

في عام 1452، وُلد الفنان والإنساني والعالم ليوناردو دا فينشي. وفي عام 1453، استولت الإمبراطورية العثمانية على القسطنطينية، مما أجبر العديد من المفكرين اليونانيين وأعمالهم على الانتقال غربًا. وفي العام نفسه، انتهت حرب المائة عام، مما جلب الاستقرار إلى شمال غرب أوروبا. ويُعتبر اختراع يوهانس غوتنبرغ، لآلة طباعة الكتب الكلاسيكية في عام 1454، أحد أهم أحداث عصر النهضة، حيث أحدث هذا الاختراع المبتكر ثورة في المعرفة والعلوم والقراءة والكتابة الأوروبية. وتولى لورينزو دي ميديشي، السلطة في فلورنسا عام 1469، ويُعتبر حكمه ذروة عصر النهضة الفلورنسي. وعُيّن سيكستوس الرابع بابا عام 1471، مُواصلًا مشاريع البناء الكبرى في روما. وكانت لطبعة غوتنبرغ للكتاب المقدس أهمية كبيرة في بدء ثورة غوتنبرغ وعصر الكتاب المطبوع.

طابعة يوهانس غوتنبرغ
طابعة يوهانس غوتنبرغ

1476 إلى 1500: عصر الاستكشاف

شهد الربع الأخير من القرن السادس عشر ثورة في اكتشافات الأراضي الجديدة: دار بارتولوميو دياس حول رأس الرجاء الصالح في عام 1488، ووصل كولومبوس إلى جزر الباهاما في عام 1492، ووصل فاسكو دا جاما إلى الهند في عام 1498. وفي عام 1491، بدأ جيرولامو سافونارولا دعوته للإصلاح وأصبح الزعيم الفعلي لفلورنسا عام 1494. شملت الحروب الإيطالية معظم الدول الكبرى في أوروبا الغربية في سلسلة من الصراعات بدأت عام 1494، وهو العام الذي غزا فيه الملك الفرنسي شارل الثامن إيطاليا. ثم واصل الفرنسيون غزو ميلانو عام 1499، مما سهّل تدفق فنون وفلسفة عصر النهضة إلى فرنسا. ومن أبرز الأعمال الفنية في هذه الفترة لوحة العشاء الأخير، لليوناردو دافنشي (1498). وابتكر مارتن بهايم، “إردابفيل”، أقدم كرة أرضية باقية، بين عامي 1490 و 1492. ومن أهم مؤلفات هذه الفترة “أطروحات 900” لجيوفاني بيكو ديلا ميراندولا، وهي تفسيرات لأساطير دينية قديمة وُصف بسببها بالهرطقة. وكتب فرا لوكا بارتولوميو دي باسيولي “كل شيء عن الحساب والهندسة والنسبة” (1494) والذي تضمن مناقشة النسبة الذهبية، وعلم دافنشي كيفية حساب النسب رياضيًا.

"إردابفيل"، أقدم كرة أرضية باقية من صنع مارتن بهايم
“إردابفيل”، أقدم كرة أرضية باقية من صنع مارتن بهايم

1501 إلى 1550: السياسة والإصلاح

بحلول النصف الأول من القرن السادس عشر، كان عصر النهضة مؤثرًا ومتأثرًا بالأحداث السياسية في جميع أنحاء أوروبا. في عام 1503، عُيّن يوليوس الثاني بابا، مُعلنًا بداية العصر الذهبي الروماني. تولى شارل الخامس السلطة في إسبانيا عام 1516، وفي عام 1530، أصبح إمبراطورًا للإمبراطورية الرومانية المقدسة، وهو آخر إمبراطور يُتوّج بهذه الصفة. في عام 1520، تولى سليمان القانوني السلطة في الإمبراطورية العثمانية. انتهت الحروب الإيطالية أخيرًا: ففي عام 1525، وقعت معركة بافيا بين فرنسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة، منهيةً بذلك مطالبات فرنسا بإيطاليا. وفي عام 1527، نهبت قوات الإمبراطور الروماني المقدس شارل الخامس روما. وفي الفلسفة، شهد عام 1517 بداية الإصلاح الديني، وهو انشقاق ديني قسّم أوروبا روحيًا بشكل دائم، وتأثر بشدة بالفكر الإنساني.

وتشمل أعمال عصر النهضة الفنية خلال هذه الفترة تمثال مايكل أنجلو “داود” (1504)، و”يوم القيامة” (1541). رسم دافنشي لوحة “الموناليزا ” (1505) وتوفي عام 1519. ومن أبرز الأعمال الأدبية في هذه الفترة، كتاب “مديح الحماقة” عام 1511، للإنساني ديسيديريوس إيراسموس، بالإضافة إلى “دي كوبيا” عام 1512، و”العهد الجديد”، أول نسخة معاصرة ونقدية للعهد الجديد اليوناني، عام 1516. وأكمل ديوغو ريبيرو كتابه “خريطة العالم” عام 1529. وفي عام 1536، كتب الطبيب السويسري المعروف باسم باراسيلسوس كتاب “الكتاب الكبير للجراحة”. وفي عام 1543، كتب عالم الفلك كوبرنيكوس كتاب “دورات المدارات السماوية”، وكتب عالم التشريح أندرياس فيزاليوس كتاب “حول بنية الجسم البشري”.

معركة بافيا بين فرنسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة في عام 1525
معركة بافيا بين فرنسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة في عام 1525

1550 وما بعده: صلح أوغسبورغ

خفّف صلح أوغسبورغ (1555) مؤقتًا من حدة التوترات الناجمة عن الإصلاح الديني، إذ سمح بالتعايش القانوني بين البروتستانت والكاثوليك في الإمبراطورية الرومانية المقدسة. تنازل تشارلز الخامس عن العرش الإسباني عام 1556، وتولى فيليب الثاني الحكم. وبدأ العصر الذهبي لإنجلترا بتتويج إليزابيث الأولى ملكة عام 1558. واستمرت الحروب الدينية: فقد نشبت معركة ليبانتو، وهي جزء من الحروب العثمانية الهابسبورغية، عام 1571، ووقعت مذبحة يوم القديس بارثولوميو للبروتستانت في فرنسا عام 1572. في عام 1556، كتب نيكولو فونتانا تارتاغليا “رسالة عامة في الأعداد والقياس”، وكتب جورجيوس أغريكولا “دي ري ميتاليكا”، وهو كتالوج لعمليات تعدين الخامات وصهرها. توفي مايكل أنجلو عام 1564. نشرت إيزابيلا ويتني، أول امرأة إنجليزية تكتب أبياتًا شعرية غير دينية، “نسخة من رسالة” عام 1567. نشر رسام الخرائط الفلمنكي جيراردوس ميركاتور خريطته للعالم عام 1569. كتب المهندس المعماري أندريا بالاديو “أربعة كتب في العمارة” عام 1570. في العام نفسه، نشر أبراهام أورتيليوس أول أطلس حديث، “ثياتروم أوربيس تيراروم”. في عام 1572، نشر لويس فاز دي كامويس قصيدته الملحمية “اللوسياد”، ونشر ميشيل دي مونتين مقالاته عام 1580، مما ساهم في ترويج هذا النوع الأدبي. نشر إدموند سبنسر “ملكة الجنيات ” عام 1590، وفي عام 1603، كتب ويليام شكسبير “هاملت”، ونُشرت “دون كيخوت” لميغيل ثيربانتس عام 1605.

صلح أوغسبورغ (1555)
صلح أوغسبورغ (1555)

الدين والكنيسة في عصر النهضة

شجعت النزعة الإنسانية الأوروبيين على التشكيك في دور الكنيسة الكاثوليكية الرومانية خلال عصر النهضة. ساهمت الطباعة في تزايد تعلم الناس القراءة والكتابة والاطلاع على الأفكار، وبدأ الأوروبيون بدراسة الدين بدقة وبشكل نقدي. كما ساهمت الطباعة باطلاع العامة على نصوص الكتاب المقدس على نطاق واسع. في القرن السادس عشر، قاد الراهب الألماني مارتن لوثر حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في 31 أكتوبر 1517، وهي حركة ثورية أحدثت انقسامًا في الكنيسة الكاثوليكية. شكك لوثر في سلطة الكنيسة والعديد من ممارساتها، وتساءل عن مدى توافقها مع تعاليم الكتاب المقدس. ونتيجة لذلك، نشأ شكل جديد من المسيحية، المعروف باسم البروتستانتية.

لاحقًا، في حركة عُرفت بالإصلاح المضاد، فرضت الكنيسة الكاثوليكية رقابة على المفكرين والكتاب ردًا على حركة الإصلاح البروتستانتي. خشي العديد من مفكري عصر النهضة من المبالغة في الجرأة، مما خنق الإبداع. وفي عام 1545، أنشأ مجمع ترينت محاكم التفتيش الرومانية، التي جعلت النزعة الإنسانية الجديدة وأي آراء تتحدى الكنيسة الكاثوليكية بمثابة هرطقة يعاقب عليها بالإعدام. على الرغم من عدم انتشار البروتستانتنية في أوروبا على نطاق واسع حتى اليوم، مقارنة بالكاثوليكية. إلا أن الحركة كانت حدثًا محوريًا مؤثرًا في عصر النهضة، وأحد الأحداث التي آذنت بنهاية العصور الوسطى وبداية العصر الحديث المبكر في أوروبا.

حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في 31 أكتوبر 1517
حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في 31 أكتوبر 1517

شاهد أيضاً

لماذا لم يمر الإسلام بعصر التنوير؟

Secular Way

السيرة الذاتية للرسام فان جوخ

Secular Way

المُخطط الزمني لأوروبا في العصور الوسطى

Secular Way

اكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط Cookies لتحسين تجربة الاستخدام. قبول سياسة الاستخدام والخصوصية