جلال الدين الرومي العالِم والشاعر الصوفي البارز والمعروف بمولانا وسلطان العارفين. فارسي الأصل وتركي الموطن، ويعتبر من أبرز الأعلام والأكثر تأثيراً في التصوف الفلسفي في التاريخ الإسلامي. عُرِف الرومي ببراعته في الشِعر الصوفي، والفلسفة، والفقه الإسلامي وغيره من العلوم الإسلامية. يوصف الرومي عالمياً بكونه ذو رؤية ثاقبة تمثل رسالة فلسفية عالمية ومصدر إلهام يخاطب كافة حضارات العالم.
مولد جلال الدين الرومي ونشأته
ولد الرومي عام 603 هجرياً (1207 مـ)، في بلخ، أفغانستان، وانتقل في الرابعة من عمره، مع أبيه إلى عاصمة الخلافة بغداد، فترعرع بها ودرس في المدرسة المستنصرية العريقة. ولم تطل إقامته في بغداد، إذ قام أبوه برحلة طويلة، فمكثا في بعض البلدان على فترات طويله، ثم استقر في قونية، تركيا، عام 623 هجرياً في عهد دولة السلاجقة.
حياة جلال الدين الرومي
درس الرومي العلوم الشرعية عن والده، ثم تتلمذ على يد برهان الدين المحقق الترمذي. بعد وفاة أبيه سنة 628 هجرياً، تولى الرومي التدريس في مدارس قونية، وكان لصديقه الشاعر الصوفي فريد الدين العطار، الذي أهداه ديوانه (أسرار نامه) دوراً كبيراً في حب الرومي للشعر.
بعد سفره إلى الشام طلباً للعلم في عام 630 هجرياً، تتلمذ الرومي على يد عدد من الشيوخ في العلوم الشرعية والعقلية. وفي دمشق أخذ مبادئ علم التصوف عن الفيلسوف الصوفي البارز، الشيخ محيي الدين بن عربي. ثم عاد إلى مدينته قونية، ليشتغل بالفتوى والتدريس، بعد أن أقر له شيوخه بالنبوغ وسعة الاطلاع، والثقافة العربية والفارسية المتنوعة، فلقب بسلطان العارفين. وكان للرومي ولدان من زوجته الأولى جوهر، سلطان ولد، وعلاء الدين شلبي. بعد وفاة زوجته جوهر، تزوج الرومي مرة ثانية، وأنجب ولداً وبنتاً، أمير العلم الشلبي، وملكة خاتون.
رحلة جلال الدين الرومي إلى التوصف
ترك الرومي التدريس، في عام 642 هجرياً، ونزع إلى الصوفية، (إحدى الحركات الدينية الإسلامية التي ظهرت في القرن الثالث الهجري، والتي تدعو إلى الزهد والتفرغ للعبادة وإسلام يميل إلى الفلسفة والفكر)، فانشغل بالرياضة وسماع الموسيقى ونَظّم الأشعار والإنشاد الصوفي.
جمعت بين جلال الدين الرومي، والشيخ والشاعر الفارسي المعروف شمس الدين التبريزي، في 642 هـ (1244 مـ) أواصِر صداقة قوية في قونية، فكان لقائهما نقطة تحول في مسار حياة الرومي وإعادة ميلاد لأفكاره ومسالكه، إذ دخل على يديه في زمرة أرباب التصوف فبدأ نظم الشِعر الصوفي، وقطع كل صلة بالناس، وابتعد عن مجالسة أهل العلوم الظاهرة، متجهاً إلى العلوم الباطنية. أججت علاقة الرومي بشمس، الكراهية في صدور المتعصبين، فاغتيل التبريزي دون أن يعرف قاتله، فحزن عليه الرومي حزناً شديداً ونظم له ديوان شعر، الديوان المعروف بـ ديوان التبريزي أو الديوان الكبير.
“إن شمس الدين التبريزي هو الذي أراني طريق الحقيقة، وهو الذي أُدين له بإيماني ويقيني”. الرومي
اتّبَع الرومي تعاليم الإسلام السمحة، وامتاز بالتساهل والتسامح في العديد من الأمور والأحكام الدينية المعقدة، وقد استطاع اجتذاب العديد من الأشخاص، ممن ينتمون إلى مذاهب أخرى بفضل نباغته وبلاغته ومرونته في التعامل. نظّم الرومي الشعر والأناشيد والموسيقى، في سبيل الوصول إلى الله، والدعوة إلى العشق الإلهي. وقد أسس الرومي الطريقة المولوية، وابتدع رقصة الدراويش الصوفية الرمزية، فأصبحت إحدى الطقوس الصوفية المتبعة.
وفاة جلال الدين الرومي
ظلّ الرومي يدعو إلى التصوف والزهد، ويلقي الخُطب والعظات والشِعر على مريديه، حتى توفي في عام 672 هجرياً (1273 ميلادياً)، عن 66 عاماً، ودفن الرومي في مدينة قونية، وأصبح مدفنه (متحف مولانا) مزاراً شهيراً في تركيا.
تركت أشعار الرومي ومؤلفاته الصوفية، باللغة الفارسية والعربية والتركية، تأثيراً وصداً واسعاً في العالم الإسلامي، حتى ترجمت بعض أعماله في العصر الحديث إلى العديد من لغات العالم، فلاقت انتشاراً واسعاً، وتغنى على أشعاره نجوم بوب مشهورون، وحاز الرومي في الولايات المتحدة على صفة أكثر الشعراء شعبية في 2014.
تم تصنيف أعمال الرومي إلى عدة مصنَفات، وهي: (الرباعيات. ديوان الغزل، رسائل المنبر، مثنوية المعاني، ديوان شمس الدين التبريزي، مجلدات المثنوي الستة، المجالس السبعة)، إضافة إلى العديد من الرسائل التي كان يكتبها إلى مريديه.
من أقوال جلال الدين الرومي
هكذا أود أن أموت في العشق الذي أكنه لك، كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس.
ارتق بمستوى حديثك لا بمستوى صوتك، فالمطر الذي ينميّ الأزهار وليس الرعد.
إنّك قد رأيت الصورة ولكنّك غفلت عن المعنى.
أنتَ تبحث عن الله، وهنا تكمن المشكلة، كيف تبحث عنه وهو فيك؟
إن كان نورك ينبع من القلب، فإنّك لن تضل الطريق أبداً.