Secular Way
فلسفة

الفلسفة الرواقية

الفلسفة الرُواقية هي مذهب فلسفي أسسه الفيلسوف اليوناني زينون السيشومي Zeno في أثينا في مطلع القرن الثالث ق.م. تندرج الرواقية تحت مفهوم الفلسفة الطبيعية، بحيث تعتقد بوحدة الموجود، والجبرية في الطبيعة والإنسان. تُستَمد الأخلاق وفقاً لتعاليم الرواقية من المنطق والتأمل في الطبيعة. ركزت المدرسة الرواقية على مفهوم اليودايمونيا Eudaimonia (السعادة أو الراحة الدائمة)، إذ ترى أن الطريق إلى اليودايمونيا يتحقق بتقبل الحاضر كما هو عليه، وكبح النفس عن الانقياد للذة والشهوات والخوف، من خلال تحكيم العقل والمنطق لفهم العالم، علاوة على فِعل ما تقتضيه الطبيعة. لم ينكر الرواقيون الحاجة إلى اللذة.. ولكنهم دعو إلى الفضيلة، بوصفها “الخير الوحيد”، وأنّ الظواهر الخارجية مثل الصحة والثراء واللذة لا ينبغي وصفها بكونها شراً أو خيراً في حدّ ذاتها، فيما يمكن اعتبارها قيمةً بصفتها “مادة يمكن للفضيلة أن تستعملها”. اطلق على اتباع المدرسة الرواقية لقب الرواقيين لانهم عقدوا اجتماعاتهم في أروقة أثينا، حيث نشأت هذه الفلسفة، كما أطلق عليهم اسم حكماء المظلة، وأصحاب الأصطوان.

“إن العالم كلٌ عضوي، تتخلله قوة الله الفاعلة، وإن رأس الحكمة معرفة هذا الكل، وأن الإنسان لا يستطيع أن يلتمس هذه المعرفة، إلا إذا كبح جماح عواطفه، وتحرر من الانفعال”.
زينون السيشومي

تاريخ الفلسفة الرواقية

انتشرت أفكار الرواقية في ظل الثقافة اليونانية في القرن الرابع ق.م. وعلى وقع تأثير الأفكار التي تدعو إلى المواطنة العالمية، والأفكار ذات النزعة الفردية، وفي ضوء التطورات العلمية التي فرضها التوسع في المعرفة الرياضية آنذاك.

وعن مؤسس الفلسفة الرواقية زينون، يحكى أنه حوالي عام 304 ق.م، غرقت سفينة زينو في رحلة تجارية وفقد كل شيء تقريباً، فشق طريقه نحو أثينا، وهناك تعرّف على الفلسفة من خلال الفيلسوف السايني كريتس والفيلسوف الميجاري ستيلبو، حيث تغيرت حياته تماماً. كما قال زينو في وقت لاحق، “لقد حظيت برحلة مزدهرة عندما عانيت من غرق السفينة”.

مراحل الفلسفة الرواقية

  1. المرحلة الأولى: في القرن الثالث ق.م. ومن روادها زينون، و كليانثس.
  2. المرحلة الثانية: تعرف باسم الرواقية المتوسطة، في القرنين الثاني والأول ق.م. ومن روادها ديوجين السليوسي، و بانيتيس الروديسي، و خريسيبوس الذي كتب في هذة المدرسة أكثر من غيره، حيث ألّف ما يزيد عن 165 عملاً، ولكن لم يبق من كتاباته إلا القليل.
  3. المرحلة الثالثة: تعرف باسم الرواقية الرومانية المتأخرة، في القرنين الأول والثاني ميلادياً. ومن روادها سنيكا، و إيبكتيتوس، والإمبرطور ماركوس أوريليوس. ومعظم الكتابات الباقية أتت من هذه المرحلة.

كما كان لدى الرواقية أتباع كثر في انحاء الامبراطورية الرومانية، واستمرت حتى اغلاق كل مدارس الفلسفة الملحدة في 529 ميلادياً بأمر من الإمبراطور جستينيان الأول، والذي اعتبرهم مخالفون للشريعة المسيحية. حتى قام جوستن لبسيوس،  بدمج أفكار المسيحية والرواقية التقليدية، فيما أطلق عليه الرواقية المحدثة.

مبادئ وأفكار الفلسفة الرواقية

  • يدعو الرواقيون إلى التناغم مع الطبيعة كإطار لفهم طبيعة الأشياء، واتّباع الفضيلة، لأن الفضيلة هي إرادة الله، والصبر على المشاق، والتخلص من الكدر الذي تسببه المشاعر.
  • يعتقد الرواقيون أن المشاعر الهدامة، مثل الخوف، والحسد، والحب والجنس المفرط، وما يترتب عليهم من نتائج، هي مجرد أحكام خاطئة، وأن الإنسان الحكيم الذي حقق كمالاً أخلاقياً وفكرياً، يكون قد وصل إلى درجة بحيث لا يمكن لهذة المشاعر الهدامة أن تتملكه.
  • إن ما يدل على شخصية ونفسية وإدراك الفرد، هي تصرفاته وأعماله وليس أقواله. ولكي يحيا المرء حياة صالحة، عليه ان يستوعب قوانين الطبيعة ويتناغم معها.
  • أن الهدف من الفكر ليس هو الشعور بالسعادة، بل إن السعادة ليست إلا شعوراً عرضياً، يصاحب الوصول إلى الحقيقة بعد إعمال الفكر.
  • تعتقد الرواقية في الجبرية.. فما دام أن الإنسان في اعتقادهم مجبوراً على أفعاله، فليس عليه أن يهتم بالانفعالات التي تصدر عن شعوره بالمسئولية. وفي هذا الشأن يُحكى أن زينو الرواقي، كان يضرب عبداً له على خطأ اقترفه، فذكّره العبد بفلسفته التي تقول أن الإنسان مجبوراً على أفعاله لكي يعفو عنه، فرد زينو قائلاً وأنا أيضاً مجبور على ضربك، و قد كان العبد الفيلسوف ابكتيتوس رواقياً.
  • يعتقد الرواقيون أن الفلسفة ليست مجرد تسلية أو علم في حد ذاته، بل طريقة في الحياة، إذ يُعرّفون الفلسفة كتمرين أو ممارسة حياتية خالصة.

الوجود في الفلسفة الرواقية

كان الرواقيون ماديين في تصورهم للطبيعة، ويقولون بأن كل ما في الوجود أجسام ذات كثافة مختلفة، بحيث تتحد المادية بالمذهب الأسمى، وأن الحواس تفهم الواقع على أنه أشياء جزئية لا كلية، والعلم يسعى إلى فهم العام، غير أن هذا العام على هذا النحو لا يوجد في العالم، فكان في تصورهم ضرورة للتمييز بين ما هو حقيقي وما هو حق. فقسم الرواقيون الوجود والحالات المرتبطة به على النحو التالي:

  1. القوام (الموجود)
  2. الكيف
  3. الحالة (الكينونة)
  4. الحالة النسبية (الوجود إلى يمين شيء ما)

فضائل الرواقية

تخوض الرواقية بعمق في مفهوم الفضيلة والسعادة، فقد مارس تعاليمها ومبادئها الكثير من الملوك والرؤساء والفلاسفة والفنانين والكتاب ورجال الأعمال، مثل ماركوس أوريليوس، وفريدريك العظيم، ومونتين، وجورج واشنطن، توماس جيفرسون، وآدم سميث، وجون ستيوارت، وثيودور روزفلت، فقد تأثروا جميعاً بالرواقية..

تعرف الرواقية بالفضائل الأربعة، لعيش حياة أكثر مرونة وسعادة، وأكثر فضيلة وحكمة:

1- الشجاعة

يقول سينيكا إنه يشفق على الأشخاص الذين لم يختبروا المصائب أبداً، فقد مروا بحياة بلا خصوم، حيث لا يمكن لأحد أن يعرف حدود قدراتهم، وكذلك هم.

2- الاعتدال

في حين أن الجميع يعرف أن الشجاعة ضرورية، فإننا جميعاً ندرك أن الأشخاص الذين تتحول شجاعتهم إلى تهور، يعرضون أنفسهم والآخرين للخطر. وفي هذا السياق استخدم أرسطو الشجاعة كمثال رئيسي في استعارته الشهيرة “الوسط الذهبي”، إذ يقول:  “في أحد طرفي الطيف، هناك جبن، وهذا افتقاد للشجاعة. ومن ناحية أخرى، هناك تهور، وهي الشجاعة أكثر من اللازم”. وهذا ما يدور حوله الاعتدال، أي القيام بالشيء الصحيح بالقدر المناسب وبالطريقة الصحيحة.

3- العدالة

لا توجد فضيلة رواقية أهم من العدالة، لأنها تؤثر على الآخرين أيضاً. يقول ماركوس أوريليوس: إن العدالة هي مصدر كل الفضائل الأخرى. لقد دافع الرواقيون عبر التاريخ عن العدالة، وعرضوا أنفسهم للخطر في كثير من الأحيان من أجل الدفاع عن الأشخاص والأفكار التي أحبوها، فقد بذل كاتو حياته في محاولة لاستعادة الجمهورية الرومانية، وقاوم Thrasea و Agrippinus استبداد نيرون، وشكّل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون أمة جديدة.

“يجب على المرء أن يضع في اعتباره دائماً فكرتين يبدو أنهما متعارضتين. الفكرة الأولى هي قبول الحياة كما هي، والتقبل دون ضغينة، وفي ضوء هذه الفكرة، فإن الظلم أمر شائع، لكن هذا لا يعني أنه يمكن للمرء أن يشعر بالرضا عن الذات، حيث الفكرة الثانية، أنه لا يجوز للمرء أبداً في حياته الخاصة، قبول هذه المظالم باعتبارها أمراً شائعاً، بل يجب على المرء محاربتها بكل قوة.”

James Baldwin

4- الحكمة

إن الشجاعة والاعتدال والعدالة، هي الفضائل الأساسية للحياة. لكن ما هي المواقف التي تتطلب الشجاعة؟ ما هو المقدار الصحيح؟ وما هو الشيء الصحيح؟ هنا تأتي الفضيلة الأخيرة والأساسية، وهي الحكمة والمعرفة والتعلم.

لطالما كان الرواقيون يقدّرون الحكمة، إذ يقول زينو: إننا أُعطينا أذنين وفم واحد كي نستمع أكثر مما نتحدث. وبما أن لدينا عينان، فنحن مضطرون للقراءة والمراقبة أكثر مما نتحدث أيضاً.

شاهد أيضاً

الربوبية.. الأفكار والمعتقدات والتاريخ

moabusharaf

الفرق بين الفلسفة العدمية والعبثية والوجودية

moabusharaf

الفرق بين فلسفة أفلاطون وأرسطو

moabusharaf

اكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط Cookies لتحسين تجربة الاستخدام. قبول سياسة الاستخدام والخصوصية