أثارت نظرية التطور جدلاً كبيراً، وأحدثت انقساماً كبيراً بين الأوساط العلمية وعامة الناس المؤمنين والملحدين على حدّ سواء، يطرح بعض الملحدون النظرية كدليل مادي يدحض النظرية الخلقية (وجود خالق للكون)، باعتبار أن الداروينية والإلحاد وجهان مختلفان لعملة واحدة. ويزعم بعض المتدينون أن النظرية تهدف إلى نشر الإلحاد، وهدم الأخلاق والقيم الإنسانية الروحانية. بينما يعتقد بعض علماء الأحياء المسيحيون أن الله يعبر عن أفعاله الخلاقة من خلال خلق جميع الكائنات الحية عن طريق آلية التطور والانتقاء.
تزعم نظرية التطور أن جميع الكائنات الحية، هي نتيجة لعملية بطيئة ومستمرة تحدث على المدى البعيد من خلال آلية تعرف بالانتقاء الطبيعي، بدءًا بالحيوات البدائية (البكتيريا والخلايا) إلى التنوع المعقد للكائنات الحية التي نراها اليوم.
إذن كيف نشأت فكرة أن النظرية الداروينية إلحادية في جوهرها؟ وهل تدعو نظرية التطور إلى الإلحاد، إنكار الإلوهية، محاربة الأخلاق؟ يعتقد الكثير من علماء الطبيعة، أن أفكار ومفاهيم نظرية التطور كثيراً ما يساء فهمها من قبل المؤمنين، في حين أن الملحدين المتبنيين للنظرية غالباً ما يفتقرون إلى الحد الأدنى من المعرفة عن العقيدة الخلقية.
تحاول النظرية دراسة وفهم التنوع البيولوجي الهائل للكائنات الحية بأسلوب تجريبي يخضع للأسس والمبادئ العلمية. تختلف نظرية التطور الحديثة، قليلاً عن النظرية الداروينية الأصلية، على سبيل المثال، تنطوي النظرية المعاصرة على خطوتين رئيسيتين، في الخطوة الأولى، يتم وضع التباين في الجينات المشفرة بواسطة الحمض النووي DNA، في تسلسل محدد، من خلال مجموعة واسعة من الآليات، بما في ذلك الإشعاع، والأخطاء التكريرية في الحمض النووي، وعدم الاستقرار الكيميائي. تسمى هذه التغييرات في تسلسل الحمض النووي بالطفرات الجينية.
وفي الخطوة الثانية، يتم اختبار النمط الجيني (الحمض النووي الكلي) لكل كائن حي من خلال معيار “الانتقاء الطبيعي Natural Selection” الذي ينظم عدد الجينات التي تنتقل إلى الأجيال التالية من خلال آلية التكاثر لكل كائن حي، مع ميل شديد للحفاظ على بقاء الجينات التي تعمل بشكل جيد في بيئة معينة. يتم اكتشاف هذة الطفرات الجينية من خلال تسلسل الجينوم للعديد من الكائنات الحية، بما في ذلك الحمض النووي البشري. ومن المعروف أن جميع الكائنات الحية على هذا الكوكب تتشارك في الكثير من الجينات التي توجد في أشكال مختلفة قليلاً، على سبيل المثال، يتشابه الإنسان في 40% من الجينات مع ذباب الفاكهة والديدان، ونحو 90% مع الشامبانزي والخنازير. هذا المخطط التطوري هو أساس العمل لجميع البحوث البيولوجية في العصر الحالي. ويعتقد علماء مثل تيلار دي شاردان وجوليان هكسلي أن التطور من المفترض أنه يوجه الجنس البشري إلى حالة من المثالية في المستقبل.
وفي إستبيان علمي هام في عام 1997، استهدف عينة من 1000 عالم على قائمة (American Men and Women of Science)، تبين أن 40% من العلماء يعتقدون أن جميع الكائنات الحية بما فيها الإنسان تطوروا عبر الزمن، ولكن يعتقدون أيضاً في وجود خالق وجّه عملية التطور. على صعيد آخر يعتقد 55% من العلماء محل الدراسة أن التطور حدث بدون تدخل إلهي.
الصراع بين نظرية التطور ونظرية الخلقية
عادة ما يهاجم الخلقيون نظرية التطور بزعم أنها تتعارض مع النصوص الواردة في الكتب السماوية عن خلق آدم وحواء. ساهمت هذه الهجمات الأيديولوجية في جعل الكثير يضعون نظرية التطور والمادية في نفس الإطار، وأحياناً نعت داروين بالشيطان الأكبر. ويحاول الكثير من الناس أدلجة نظرية التطور، واستخدامها ذريعة لدعم العنصرية والنازية والرأسمالية والأيديولوجيات الأخرى.
يتعلق سوء فهم نظرية التطور، بإشكالية الصدفة، والتي تتعارض مع مفهوم الخلقية، بينما يشير مفهوم الصدفة في العلم، إلى الطريقة التي نفهم بها طريقة عمل أحداث معينة في العالم من حولنا. إن الصدفة تعبير عن عدم قدرتنا على التنبؤ بالأحداث المعقدة. بشكل عام، التطور في مجمله هو عملية دقيقة للغاية ومنظمة بإحكام، وتخضع لقيود صارمة مثل الغذاء ودرجة الحرارة والتكاثر والجاذبية إلخ…. لذلك لا يوجد أي أساس للفكرة القائلة بأن الكون ليس له هدف أو معنى. التطور في حد ذاته ليس فكراً إلحادياً، وقد تتعارض نظرية التطور وغيرها من النظريات العلمية مع الميثولوجيا والنصوص الدينية، ولكن تبقى نظرية التطور مسألة علمية بيولوجية، ولا علاقة للنظرية بمثل هذه الأمور الأيديولوجية والدينية.
وفي هذا السياق كتب داروين معبراً عن دهشته من هجمات الخلقيين على نظريته قائلاً:
“يمكننا أن نسمح للأقمار، الكواكب، الشّموس، الكون، لا وبل حتّى نظم كاملة من الأكوان أن تكون محكومة بقوانين، ولكن أصغر الحشرات نودّ أن تكون قد خلقت فورًا بفعل خاصّ.”
تشارلز داروين