Secular Way
تاريخفلسفة

السيرة الذاتية لهيباتيا السكندرية

هيباتيا Hypatia السكندرية فيلسوفة وعالمة رياضيات وفلك من أصل يوناني ولدت في عام 350 ميلادياً تقريباً، في الإسكندرية التي كانت تعد مركزاً ثقافياً وعلمياً في العصور القديمة، والذي لعبت فيه هيباتيا دوراً مهماً. عرفت هيباتيا بذكائها الحاد وحماستها وشغفها الشديد بالعلوم، وإلى جانب ذكائها وتعدد مواهبها عرفت بجمالها الفاتن، فوقع الكثير في غرامها، ولكنها فضلت عدم الزواج والإنجاب، وقوبلت باحترام شديد من اليونانيين، حيث كان المجتمع اليوناني يعتقد أن العزوبية من الفضائل، وعند سؤالها عن سبب شغفها بالرياضيات ورفضها للزواج، أجابت بأنها متزوجة بالحقيقة.

خلفية هيباتيا الثقافية والدينية

تشير المصادر التاريخية أن هيباتيا تلقت تعليمها في جامعة الإسكندرية، بينما تلقت الجزء الأكبر من تعليمها على يد والدها الفيلسوف وعالم الرياضيات ثيون الكنسدروس. اتبعت هيباتيا مدرسة الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، فكانت تتبع النهج الرياضي لأكاديمية أفلاطون في أثينا. كما تأثرت هيباتيا بفكر الفيلسوف أفلوطين Plotinus الذي كان يميل إلى الدراسة المنطقية والرياضية بدلاً من المعرفة التجريبية، والذي كان يعتقد أن للقانون أفضلية على الطبيعة، وأن اتباع حياة العقل يقود إلى الاتحاد مع الصوفية الإلهية.

عرفت هيباتيا بدفاعها عن النقد والتساؤل ومعارضة الإيمان المطلق والمجرد. بينما اختلفت المصادر التاريخية حول اعتقاد هيباتيا الديني، فكان البعض يرى أنها كانت لا دينية، والبعض يرى أنها كانت وثنية، ولكنها كانت محل تقدير بعض من تلامذتها المسيحيين، حيث عرفت بتقبلها للطلاب المسيحيين والأجانب، واستعدادها للتعاون مع قادة وأساقفة المسيحيين أملاً في ترسيخ أسساً حيث يمكن للأفلاطونية والمسيحية أن تتعايش معاً في سلام.

لوحة هيباتيا المعلمة لـ Robert Trewick
لوحة هيباتيا المعلمة لـ Robert Trewick

حققت هيباتيا نجاحاً ملحوظاً فكانت أول امرأة عالمة وفيلسوفة تصلنا معلومات دقيقة عن حياتها وأعمالها في التاريخ القديم. سافرت هيباتيا إلى أثينا وروما للدراسة قبل أن تكون عميدة للمدرسة الأفلاطونية في عام 400 ميلادياً تقريباً، وأستاذة للعديد من المدارس الفلسفية مثل مدرستي أفلاطون وأرسطو.

“كانت هناك امرأة في الإسكندرية تدعى هيباتيا، وهي ابنة الفيلسوف ثيون. كانت بارعة في تحصيل كل العلوم المعاصرة، مما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، حيث كانت تقدم تفسيراتها وشروحاتها الفلسفية خاصة فلسفة أفلاطون لطلابها الذين قدموا من كل المناطق، بالإضافة إلى تواضعها الشديد فلم تكن تهوى الظهور أمام العامة. رغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون أن تفقد مسلكها المتواضع المهيب الذي كان يميزها عن سواها، والذي أكسبها احترامهم وتقدير الجميع لها. كان والي المدينة (اورستوس) في مقدمة هؤلاء الذي كانوا يكنون لها الاحترام.”.

المؤرخ الكنسي سقراط عن هيباتيا في كتابه “تاريخ الكنيسة”

كانت معظم أعمال هيباتيا عبارة عن أعمال مشتركة مع والدها ثيون، نظراً لندرة وجود أعمال أنثوية منفردة للنساء في العصور القديمة. كما أدى الطابع الفريد لهيباتيا كامرأة مفكرة في ثقافة يهيمن عليها الرجال، وقتلها على يد مسيحيين بأمر من الأسقف كيرلس الأول، إلى قيام المؤرخين بنقل قصتها مرات عديدة على مر القرون، فذكرت قصة حياة هيباتيا في النصوص التاريخية من القرن الخامس وحتى القرن العاشر، وقصة موتها، ومساهماتها في الرياضيات والفلسفة. ومن مساهمات هيباتيا الهامة في مجال العلوم، رسم مواقع الأجرام السماوية، واختراع مقياس ثقل السائل النوعي (المكثاف Hydrometer)، وذكر تلميذها سينوسيوس، أنها صنعت نوع من آلات الإسطرلاب. كما تضمنت أعمال هيباتيا تعليقات على كتاب (أريثميتيك) من تأليف ديوفانتوس، وقد عينها أيضاً الحاكم الروماني آنذاك مستشارة للبلاط الملكي.

مقتل هيباتيا

كان التفاف جمهور المثقفين والتلاميذ حول هيباتيا المعروفة بشجاعتها وأسلوبها النقدي ورباطة جأشها، يسبب حرجاً بالغاً للكنيسة المسيحية، خاصة وأن جمهورها كان يزداد يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى صداقتها مع الحاكم الروماني “أوريستوس” الذي كان بينه وبين الأسقف كيرلس الأول صراعاً سياسياً على النفوذ والسيطرة على المدينة. وما زاد الأمر سوءًا أن الأسقف دخل في صراع مع اليهود الموجودين بالمدينة، وسعي لطردهم وتهجيرهم، ونجح في ذلك إلى حد كبير بمساعدة أعداد غفيرة من الرهبان، فلم يستطع الوالي التصدي لهذه الفوضى.

في عام 415 ميلادياً، قُتلت هيباتيا بشكل وحشي بأمر من الأسقف كيرلس الأول على يد حشد من المسيحيين، بعد اتهامها بممارسة السحر، والوثنية، والتسبب في اضطرابات دينية، فقاموا بخطفها عقب رجوعها لبيتها بعد إحدى ندواتها، ثم قاموا بسحلها عارية في شوارع الإسكندرية، وسلخ جلدها بالأصداف حتى صارت جثة هامدة، ثم قاموا بأخذ جثمانها إلى الكنيسة وتمزيق أطرافها، ثم ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأحرقوا جثمانها.

لوحة مقتل هيباتيا
لوحة مقتل هيباتيا

أصبحت هيباتيا (شهيدة للفلسفة)، وأدى قتلها إلى هجرة عدد كبير من العلماء والفلاسفة من الإسكندرية إلى أثينا أو إلى مناطق أخرى، فكان موت هيباتيا إيذاناً بنهاية عصر التنوير الفكري اليوناني خلال عصر من التقدم الذي شهدته مدينة الإسكندرية في مجال العلوم والفلسفة والمعرفة خلال 750 عاماً.

شاهد أيضاً

الفرق بين فلسفة أفلاطون وأرسطو

moabusharaf

أنواع المعتقدات والأفكار اللادينية والإلحادية

moabusharaf

الفلسفة الفيزيائية

moabusharaf

اكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط Cookies لتحسين تجربة الاستخدام. قبول سياسة الاستخدام والخصوصية