Secular Way
أدب وفنونتاريخ

السيرة الذاتية للرسام فان جوخ

فينسنت فان جوخ الرسام الهولندي الشهير، وأحد أشهر فناني الانطباعية والتصوير التشكيلي. ولد فان جوخ في مقاطعة برابنت بهولندا في 30 مارس 1853، عاش طفوله جافة ومضطربة، وترك دراسته في الخامسة عشرة من عمره. كان والد فان جوخ قساً بروتستانتياً مثل جده، واشتهرت عائلته بتجارة الأعمال الفنية. اتجه فان جوخ للرسم التشكيلي للتعبير عن مشاعره، وابتكر نحو 2100 عمل فني، بما في ذلك 860 لوحة زيتية، يعود معظمها إلى العامين الأخيرين من حياته. تتضمن أعمال فان جوخ بعضاً من أكثر الأعمال الفنية شهرة وشعبية وأغلاها سعراً في العالم.

عانى فان جوخ من نوبات متكررة من المرض العقلي، وأثناء إحدى تلك النوبات التي لازمته طوال حياته، قطع جزءاً من أذنه اليسرى تأثراً بفراق أحد أصدقائه، وتقول إحدى الروايات أن فان جوخ ضمد جرحه، ووضع جزء أذنه المبتور في قطعة ورق، ثم ذهب وأعطاها لإحدى فتيات الليل كهدية، وفي اليوم التالي عثرت عليه الشرطة ونقلته للمستشفى، لم يستطع فان جوخ أن يتذكر أحداث تلك الليلة مما يرجح أنه كان في نوبة عصبية، استمرت نوبات فان جوخ حتى وافق طوعاً على العلاج النفسي في مشفى سان بول دي موسول في جنوب فرنسا في 8 مايو 1889. وخلال الأسابيع التي قضاها في المشفى كان فان جوخ يرسم ما يراه خارج نافذة غرفته، وفي منتصف شهر يونيو داخل المشفى، أنتج فان جوخ عمله الأكثر شهرة في العالم، لوحة (ليلة النجوم The Starry Night).

في سنة 1869، عمل فينسنت في شركة لتجارة الأعمال الفنية في لاهاي بهولندا، وفي عام 1873 انتقل للعمل في فرع الشركة في لندن، وتعرض هناك لأول صدمة عاطفية في حياته، حيث وقع في حب ابنة صاحبة النزل الذي كان يقيم فيه، ولكنها رفضته لأنها كانت مخطوبة سراً لشخص آخر تحبه. أصيب فان جوخ بحالة من الاكتئاب والانطوائية، وانخرط في الطقوس الدينية، حتى أعلن لعائلته في عام 1876، عن قراره بترك مجال تجارة الأعمال الفنية، وعزمه على أن يصبح قساً مثل والده.

موقف فان جوخ من الدين

في سنة 1877، استعد فان جوخ لامتحان القبول في كلية اللاهوت في جامعة أمستردام، ولكن لم ينجح في اختبار القبول. وبعد عام، التحق بمدرسة تبشير بروتستانتية، ليذهب بعدها كمبشر في منطقة مناجم الفحم في بلجيكا، وهناك تأثر بحالة عمال المناجم ومعانتهم من الجوع والمرض والفقر والموت، ترك فان جوخ مكان إقامته لأحد الفقراء المشردين وأقام في كوخ صغير حيث كان ينام على القش، وتبرع بكل ما يملك للعمال. استاءت الكنيسة من تصرفات فان جوخ فأقالته بحجة (إهانة كرامة الكهنوت). وفي نهاية سنة 1879، ترك فينسنت الكنيسة، وذكر في في إحدى رسائله لأخيه ثيو: “كنت أتمنى أن يقبلوني كما أنا”. وعند عودته لبيت العائلة شجعه أخوه ثيو على أن يصبح رساماً محترفاً بعد أن رأى رسوماته الفنية للعمال في بلجيكا.

في يونيو 1880، خاطب فان جوخ أخيه ثيو متحدثاً بحماسة عن فلسفته الفنية اللاهوتية الجديدة، والتي مزج فيها الرسم بالطبيعة والدين:

“حاول أن تفهم القيمة الحقيقية لما يقوله لنا الرسامون العظماء من خلال أعمالهم، وستجد الإله هناك. فربما يخبرنا شخص ما عنه، أو يكتبه في كتاب، أو يرسمه في لوحة”.

فان جوخ، في خطاب لأخيه ثيو – 1880

في سنة 1881، أصيب فان جوخ بصدمته العاطفية الثانية حينما رفضت ابنة خالته الارتباط به، لأنه لم يكن قادراً على أن يعيل نفسه. وبنهاية سنة 1881، بدأ فينسنت يفقد إيمانه بالدين المسيحي التقليدي، وكان يخوض في نقاشات حادة مع والده لرفضه الذهاب إلى الكنيسة. ومع ذلك لم يتخل عن فكرة الإله، حيث ذكر في إحدى رسائله في ديسمبر 1882، مقولة فيكتور هيجو، “الأديان تزول ولكن يبقى الإله”.

فقد تغيرت رؤية فينسنت للإله من الإله اللاهوتي الكنسي، إلى الإله الفاعل في الطبيعة وفي أرواح الناس. ففي رسالة في 13 أكتوبر 1883، يقول: “إن هدفنا هو الإصلاح الذاتي عن طريق العمل اليدوي وفي الاتصال بالطبيعة، هدفنا هو السير مع الإله”. وفي رسالة لأخته في أكتوبر 1887 يقول: “هل الإنجيل كاف لنا؟ لابد أن نجد شيئاً مماثلاً في قوته وعظمته وأصالته حتى نغير المجتمع ككل، مثلما فعل الإنجيل في مجتمع المسيحيين القدامى”.

على عكس والده، كان فان جوخ يرى أن الإيمان لا ينبع من التعاليم، بل من الشعور، وخصوصاً شعور أفراد الطبقة العاملة كالفلاحين والعمال البسطاء. فيقول في رسالته لأخيه ثيو:

هذا الشعور بعيد تماماً عن اللاهوت. فالحقيقة أن أفقر الحطابين أو الفلاحين لديه لحظات من العاطفة والإلهام التي تعطيه الإحساس بالمسكن الأبدي. في بعض الأحيان، يوجد شيء لا يمكن وصفه في تلك الجوانب، فالطبيعة كلها تبدو وكأنها تتحدث. وبالنسبة لي، فإنني لا أفهم لماذا لا يرى كل شخص ما أرى، ولماذا لا يشعر به؟ فالطبيعة أو الإله يفعل ذلك لكل من لديه عينان وأذنان وقلب ليفهم.

فان جوخ، في خطاب لأخيه ثيو – 1882

وفاة فان جوخ

الرواية المتعارف عليها في وفاة فان جوخ ترويها ابنة صاحب النزل ذات الثلاثة عشر عاماً حيث كان يقيم فينسنت، حيث قالت: أنه في مساء يوم الأحد الموافق 27 يوليو 1890، خرج فينسنت من النزل بعد الإفطار كعادته، ولكنه عاد ليلاً قابضاً بيده على بطنه متألماً، ثم صعد إلى غرفته. وعندما صعد إليه صاحب النزل “رافو” ليطمأن عليه وجده مصاباً برصاصة في معدته، فقال له فينسنت: “لقد حاولت قتل نفسي”. وأنه ذهب للحقول في الصباح ليرسم، ثم أطلق على نفسه الرصاص في وقت الظهر، ففقد وعيه ثم أفاق ليلاً وأخذ يبحث عن المسدس ليكمل ما بدأه إلا أنه لم يجده، ثم عاد إلى البيت. استدعى رافو الطبيب، فضمد جراحه وأوصى بعدم محاولة إزالة الرصاصة من بطن فينسنت لسوء حالته.

بقى فينسنت مع أخيه الأصغر “ثيو”، وأخذ يدخن طوال الليل في هدوء ويغفو من حين لآخر. ذكر ثيو، أنه عندما جلس إلى جانب فينسنت وهو مستلقي على سريره، قال له فينسنت: “سيدوم الحزن إلى الأبد”. وفي صباح اليوم التالي، زاره ضابطان ليستجوباه عن محاولة الانتحار، فرد قائلاً: “أرجو ألا تتهما أحد. لقد تمنيت أن أموت”. ثم جاء ثيو ليجده في حالة معنوية جيدة، حتى توفى فان جوخ بعد ساعات في الساعة الحادية والنصف من صباح يوم 29 يوليو 1890 عن عمر يناهز 37 سنة. رفضت الكنيسة الكاثوليكية في أوفيرس السماح بدفن فينسنت في مقابر الكنيسة لأنها اعتبرته منتحراً، لكن مدينة ميري القريبة وافقت على دفن فان جوخ وأقامت جنازة له في 30 يوليو 1890.

الرواية البديلة عن وفاة فان جوخ

في عام 2011، نشر الصحفيان “ستفين نايف” و “جريجوري سميث”، الحائزان على جائزة بوليتزر الصحفية المرموقة في الولايات المتحدة، تحقيقاً وسيرة ذاتية لفان جوخ، حيث أيدا نظرية أن فان جوخ لم ينتحر، بل قتل عن طريق الخطأ. وذكرا في التحقيق عدة أسباب تؤيد تلك النظرية:

  1. لم يتم العثور على المسدس المستخدم.
  2. لم يتم العثور على أدوات رسم فان جوخ أثناء الحادثة.
  3. لم يترك فينسنت وصية أو رسالة انتحار. وحتى الرسالة التي وجدوها معه بعد موته وظنوا أنها رسالة انتحار، اتضح أنها مسودة لخطابه الأخير لثيو بتاريخ 23 يوليو 1890. وإنه تحدث في هذا الخطاب عن انخراطه في العمل ويطلب ألواناً إضافية له ولأحد أصدقائه.
  4. رسائل فان جوخ الأخيرة لأخيه ثيو كانت توحي بأريحية ونشاط إبداعي.
  5. رسومات فان جوخ في الفترة الأخيرة لم توحي بأي كآبة أو اضطرابات عقلية.
  6. يقول بعض الأطباء الشرعيين، بعد فحص روايات الشهود عن أن مكان إصابة فان جوخ بالرصاصة في جانبه الأيسر، واستعمال يده اليمنى، لا يدل على محاولة انتحار.
  7. عودة فان جوخ للنزل حياً، وموته تأثراً بجراحه، لا يوحي بعزمه على الانتحار.

وفي الثلاثينيات من القرن العشرين، قام الأكاديمي الأمريكي “جون ريوالد” بزيارة واستجواب أهل المنطقة، حيث سمع رواية تقول أن فان جوخ قد قتل بغير عمد على يد بعض صبية المنطقة، وكان أحدهم يدعى “رينيه سيكريتان”، ذو الستة عشر عاماً، وابن صيدلي فرنسي، كان مهوساً بأفلام رعاة البقر الغربية، حيث اشترى زياً تقليدياً لرعاة البقر ومسدساً معيباً يطلق النار بالخطأ، وبحسب رواية رينيه في حوار له مع إحدى الصحف الفرنسية في عام 1956، يقول “أنها كانت إرادة القدر في وفاة فان جوخ، وأن فان جوخ قد تحمل الذنب ليحمي الصبية من عقاب القانون، لأن جوخ كان شخصية سلمية ومضحية.”.

“أُحب المشي كثيراً وأعشق الطبيعة، وهذا هو الطريق الحقيقي لكي نتعلم كيف نفهم الفن بشكل أفضل. الرسامون يفهمون الطبيعة ويحبونها وهي تعلمهم كيف يرون العالم”.

فان جوخ، في خطاب لأخيه ثيو – 1874

شاهد أيضاً

تحليل لوحة العشاء الأخير، ليوناردو دافنشي

moabusharaf

أفضل الأفلام الفلسفية في تاريخ السينما

moabusharaf

السيرة الذاتية لجلال الدين الرومي

moabusharaf

اكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط Cookies لتحسين تجربة الاستخدام. قبول سياسة الاستخدام والخصوصية