درس أفلاطون وأرسطو الفلاسفة الأشهر في اليونان القديمة، الفلسفة بشكل نقدي وطرحا مسائل وقضايا الأخلاقيات والدين والعلوم والسياسة، وأكثر من ذلك بكثير. وقد تتلمذ أرسطو على يد معلمه أفلاطون بينما اختلفوا في رؤيتهم للمفاهيم الفلسفية وتعاطيهم مع القضايا الأخلاقية والمسائل الوجدانية. الكثير من أعمال أفلاطون استمرت على مر القرون، بينما كانت مساهمات أرسطو الأكثر نفوذاً، وخاصة في مسائل العلم والمنطق. أعطى أرسطو اهتماماً بالواقعية من خلال التأمل والملاحظة، بينما أهتم أفلاطون أكثر بمسألة المعرفة. وفي العصر الحديث تعتبر مساهمات أفلاطون وأرسطو أقل قيمة من الناحية التطبيقية، مقارنة بفلاسفة العصر الحديث مثل شوبنهاور ونيتشه، ولكن تظل أعمالهم ذات قيمة تاريخية كبيرة ولا تزال تدرس حتى اليوم.
نبذة تعريفية عن أفلاطون
كان أفلاطون فيلسوفاً أثينياً خلال الفترة الكلاسيكية من تاريخ اليونان القديمة (423 – 347 ق.م)، وهو مؤسس مدرسة الفلسفة الأفلاطونية، كان أفلاطون يميل إلى المثالية في فلسفته، بينما كان تلميذه أرسطو يميل إلى التجريب الذهني. حدد أفلاطون مخططاً لوصف الأشياء وتحديدها وفقاً لخصائصها، فيما عرف بـ (نظرية الأشكال). وقد قدم أفلاطون العديد من المساهمات في علوم الفلسفة، والرياضيات والفيزياء، والهندسة، والفلك، والبيولوجيا.
نبذة تعريفية عن أرسطو
كان أرسطو الملقب بـ (أبو الفلسفة الغربية) فيلسوفاً أثينياً خلال الفترة الكلاسيكية من تاريخ اليونان القديمة (384 – 322 ق.م). وكان أرسطو متعدد الجوانب الثقافية، حيث قدم العديد من المساهمات في علوم الفلسفة والمنطق، والميتافيزيقيا، والفيزياء، والرياضيات، والهندسة، والأحياء، والأخلاق، والسياسة، والطب، والفنون. أسس أرسطو مدرسة ليسيوم Lyceum، ومدرسة بيرباتيك Peripatetic للفلسفة، والتقاليد الأرسطية، بالشراكة مع معلمه أفلاطون. وقد سعى أرسطو إلى تطوير طريقته العالمية في أساليب التفكير (التجريب الذهني).
يعتقد أرسطو بوجود أنواع مختلفة من نهايات الإنسان، وأن هناك دور محدد لجميع البشر، وذلك الدور يتحدد وفقاً لدور الفرد في المجتمع. وأن على الإنسان القيام بالممارسة والتجريب إلى جانب المعرفة. أصبح أرسطو وأعماله أساساً للدين والعلوم في فترة العصور الوسطى، فكانت الأخلاق الأرسطية حجر الأساس لأعمال سانت توماس الأكويني التي صاغت الفكر المسيحي حول الإرادة الحرة ودور الفضيلة.
أعمال الفيلسوف أفلاطون
يمكن تقسيم أعمال أفلاطون إلى ثلاث فترات، في فترة أفلاطون المبكرة، تأثر أفلاطون بمدرسة معلمه الفيلسوف اليوناني “سقراط”، حيث كان أفلاطون طالباً متقناً، فكانت معظم أعمال أفلاطون في شكل حوارات باستخدام الأسلوب السقراطي (طرح الأسئلة لاستكشاف المفاهيم والمعرفة) كأساس للتعلم والتدريس. وقد عبّر أفلاطون عن حزنه، حين كان يناقش محاكمة وإعدام معلمه سقراط.
وفي فترة أفلاطون الثانية أو المتوسطة، كان يستكشف الأخلاق والفضيلة عند الأفراد والمجتمع. حيث طرح نقاشات مطولة حول قيم العدالة والحكمة والشجاعة، وكذلك ازدواجية السلطة والمسؤولية. ومن أشهر أعمال أفلاطون في هذه الفترة، (الجمهورية)، والتي كانت أطروحة شكلت رؤية المجتمع الطوباوي.
وتناقش الفترة الثالثة من أعمال أفلاطون دور الفنون بشكل رئيسي، إلى جانب الأخلاق والفضيلة. تحدى أفلاطون نفسه وأفكاره في هذه الفترة، حيث كان يستكشف استنتاجاته الخاصة من خلال أسلوب النقاش الذاتي، ما أسفر عن خروج فلسفة أفلاطون المثالية إلى النور، حيث تدور حقيقة جوهر الأشياء في الفكر، وليس في الواقع. وفي نظرية الأشكال، يعتقد أفلاطون أن الأفكار ثابتة، وأن العالم الذي تتخيله الحواس خادع ومتغير.
أعمال الفيلسوف أرسطو
في حين أن معظم أعمال أفلاطون قد نجت عبر مئات السنين، فُقد ما يقرب من 80% من أعمال أرسطو. ويقال أن أرسطو كتب نحو 200 رسالة حول مجموعة من الموضوعات المتفرقة، ولكن نجا منها 31 رسالة فقط، والتي يتم الاستناد والإشارة إليها من قبل العلماء المعاصرين لفهم فلسفة أرسطو. ومع ذلك، أثرت أعمال أرسطو على الفلسفة والأخلاق والبيولوجيا والفيزياء وعلم الفلك والطب والسياسة والدين لعدة قرون. ومن أهم أعمال أرسطو التي تم نسخها مئات المرات في العصور القديمة والعصور الوسطى، الفيزياء، والروح، والميتافيزيقيا، والسياسة، والشاعرية. تم جمع هذه الأعمال والعديد من الرسائل في ما يسمى مجموعة أرسطو Corpus Aristotelicum، والتي تم تقسيمها إلى مجموعتين: “الظاهري” و “الباطني”، وكانت أساس التدريس حتى القرن التاسع عشر.
الفلسفة عند أفلاطون وأرسطو
يعتقد أفلاطون في فلسفته المثالية أن المفاهيم والأفكار لها شكل عالمي ثابت ومثالي (نظرية الأشكال). بينما اعتقد أرسطو أن الأشكال العالمية ليست بالضرورة مرتبطة بكل كائن أو مفهوم، وأنه يجب تحليل كل مثيل من كائن أو مفهوم بشكل مستقل بذاته (التجريبية الأرسطية). بالنسبة لأفلاطون، فإن اختبار التفكير والاستنتاج يكفي لإثبات مفهوم ما أو تحديد صفات كائن ما. ولكن رفض أرسطو ذلك الطرح، باعتقاده أن إثبات مفهوم ما أو تحديد صفات كائن ما، يتم من خلال الملاحظة المباشرة والتجريب. وفي المنطق، كان أفلاطون أكثر ميلاً لاستخدام التفكير الاستقرائي، بينما استخدم أرسطو التفكير الاستنتاجي.
يعتقد كل من أرسطو وأفلاطون أن الأفكار تفوق الحواس. في حين يعتقد أفلاطون أن الحواس قد تكون خادعة ولا يمكن الاعتماد عليها. ذكر أرسطو أن هناك ضرورة في استخدام الحواس من أجل فهم الواقع بشكل صحيح. في قصة الكهف التي ذكرها أفلاطون، كان العالم بالنسبة له يشبه الكهف، بحيث لا يرى الشخص سوى الظلال كانعكاس للضوء الخارجي، وبالتالي فإن الواقع الوحيد الذي يمكن أن يعول عليه في هذه الحالة هو الأفكار. بالنسبة إلى الطريقة الأرسطية، فإن الحل الواضح هو الخروج من الكهف وتجربة ما يلقيه الضوء والظلال مباشرة، بدلاً من الاعتماد فقط على التجارب غير المباشرة أو التجارب الداخلية.
الأخلاق عند أفلاطون وأرسطو
العلاقة بين سقراط وأفلاطون وأرسطو أكثر وضوحاً عندما يتعلق الأمر بآرائهم حول الأخلاق. كان أفلاطون مثل سقراط في اعتقاده أن المعرفة هي الفضيلة، في حد ذاتها، أي أن معرفة الخير هو فعل الخير، وأن معرفة الشيء الصحيح الذي يجب فعله سيؤدي إلى قيام الشخص بعمل الشيء الصحيح تلقائياً، هذا يعني أنه يمكن تعلم الفضيلة عن طريق معرفة الصواب والخطأ، والخير والشر. رأى أرسطو أن معرفة ما هو صحيح ليس كافياً، وأنه يتعين على المرء أن يختار التصرف بالطريقة الصحيحة، لخلق عادة الخير. وقد وضع هذا التعريف الأخلاق الأرسطية في السياق العملي، بدلاً من الأخلاق النظرية التي تبناها سقراط وأفلاطون.
بالنسبة إلى سقراط وأفلاطون، يمكن للمرء توحيد جميع الفضائل بشكل كلي، فاعتقد أرسطو أن الحكمة فضيلة، لكن تحقيق الفضيلة ليس تلقائياً وغير قابل للتوحيد، ولا يؤدي إلى اكتساب فضائل أخرى، وأن الحكمة هدف لن يتحقق إلا ببذل الجهد وما لم يقرر الشخص التفكير والتصرف بحكمة، فإن الفضائل الأخرى ستبقى بعيدة المنال.
يرى سقراط أن السعادة يمكن أن تتحقق بدون فضيلة، لكن هذه السعادة تظل حيوانية. بينما يرى أفلاطون أن الفضيلة كافية لتحقيق الشعور بالسعادة، وأنه لا يوجد ما يسمى (الحظ الأخلاقي). ويعتقد أرسطو أن الفضيلة ضرورية للشعور بالسعادة، لكنها غير كافية بحد ذاتها، وتحتاج إلى بنى اجتماعية كافية لمساعدة الشخص الفاضل على الشعور بالرضا والاطمئنان. تجدر الإشارة إلى أن وجهات النظر اليونانية حول هذه القضايا كانت أكثر انسجاماً مع آراء أرسطو من وجهات نظر أفلاطون أو سقراط في تلك الفترة.
العلوم عند أفلاطون وأرسطو
قدم أفلاطون وأرسطو الكثير من المساهمات في العلوم المختلفة، مثل معظم الفلاسفة اليونانيين الآخرين. كتب أفلاطون عن الرياضيات والهندسة والفيزياء، وكانت أعماله أكثر استكشافية في المفهوم عن الواقع. تتطرق بعض كتابات أفلاطون إلى البيولوجيا وعلم الفلك، وبرغم قلة إسهاماته التي تتعلق بالعلوم مقارنة بالفلسفة، وسعت القليل من مجهوداته بالفعل نطاق المعرفة في ذلك الوقت. من ناحية أخرى، يُعتبر أرسطو أحد أوائل العلماء الحقيقيين، فقد ابتكر أسلوباً علمياً مبكراً لمراقبة الكون واستخلاص النتائج بناءً على الملاحظة. على الرغم من أن أسلوبه قد تم تعديله بمرور الوقت، إلا أن فكرة الأسلوب الأرسطي ظلت ثابتة.
ساهم أرسطو بمفاهيم جديدة في الرياضيات والفيزياء والهندسة، على الرغم من أن الكثير من أعماله كانت في الأساس امتدادات أو تفسيرات للأفكار الناشئة. وقد قادت ملاحظات أرسطو في علم الحيوان والنبات إلى تصنيف جميع أنواع الحياة، واستمرت ملاحظاته في علم الأحياء الأساسي لعدة قرون، على الرغم من أن نظام تصنيف أرسطو قد تم استبداله بمرور الوقت، فإن الكثير من أساليبه لا تزال قيد الاستخدام في المسميات الحديثة. وجادل أرسطو في أطروحاته الفلكية عن النجوم المنفصلة عن الشمس، ولكن كانت نظرية مركزية الأرض مستمرة لفترة من الزمن.